لا يمكنك خلع النظارة. لا أنا ولا أنت ولا أي ممن يرتدونها باستمرار ويعانون قصر النظر والاستجماتيزم معًا، يمكنهم خلعها. لو خلعناها، لا لن نرى جيدًا فحسب، وتبدو الاشياء ضبابية جدًا فحسب، بل ستظهر عيوننا. عينيّ وعينيك مرهقة جدًا.. خلعتهما مرة امامي فهالتني كمية الإرهاق التي تخفيها العدسات التي - حتمًا - تكسر الضوء وتضلل الرؤية، الخارجية ربما. مرهقة وجفون منتفخة، ربما لا أريد تأدبًا أن أقول إني لاحظت، لكني لاحظت أنهما بارزتان قليلاً، لإرهاق مبالغ فيه، أو هكذا أظن.
أقول لا تستطيع خلع النضارة رغم أني أريد ذلك. حلمت بعينيك، منذ فترة. لم تكونا صغيريتين. لا يوجد سوى زوج واحد من العيون الصغيرة في هذا الكون، تعرفت إليها وتعجبت منهما واستكنت إليهما، ثم انتُزعتا مني. الآن اقرِئهما السلام كلما مرّا بخاطري، وأعود للتفكير في بقية الأشياء. لا ، لا تجعلاني استغرق في صاحبهما، ولا أي شيء. فقط عينين حساستين شبه حزينتين صغيرتين جدًا، جميلتين جدًا، ابتسم لهما وأمضي.
أقول حلمت بك. لا، للدقة حلمت بعينيك، وبأنك ترتكب الفعل الأقرب لقلبي وأكثرها راحة، الآن: تخلع النظارة وعلى سهو تنظر إليّ. لا تراني أعرف، لكني استغل الفرصة لأدقق فيهما أكثر. هل لي أن اقول إن لديك عينيك جميلتين؟ما معنى جمال العينين على أي حال؟
مللت من قولها في وجهك: أنت غريب. سأكفّ عن هذا الآن كيلا تنطبق عليك "أنشودة" الغريب: "وداعًا أيها الغريب / كانت إقامتك قصيرة / لكن كل شيء ينتهي"* - لا أذكرها جيدًا الآن لكني أحاول - والتي كنت اضعها على مكتبي، في شركة أعلم يقينا أني تاركتها، لكني ذهلت عندما تذكرت الحدثين معًا - وضعها ورحيلي المفاجيء العاصف، هائمة على وجهي ثم مرتجفة في النهاية -....هل خفتَ الآن؟...أقول أريد أن أرى عينيك. ألا تراني، وان اتطلع بكل أريحية لهما. أعرف لونهما، والحزن فيهما، أسمعك عندما تصمت، أحبك أكثر عندما تصمت. أرى بياضهما مصفرًا فيتأكد شكّي أنك لا تأكل جيدًا، وعلى الأرجح تعاني من مرض ما. جميعنا نعاني من أمراض ما يا عزيزي.. لم أجد أحدًا صحيح البدن والعقل والنفسية في هذه البلد حتى الآن. لكن لأنك أنت من يهمني سأخفي قلقي، تكره أن يقلق الآخرون عليك ويخبرونك ماذا تفعل أو لا تفعل. ستنظر إليّ طويلاً، لن تعرف أي تعبير يطلّ من عيني الآن، لكني سأداريه على أي حال. أمتص تلك اللحظات القليلة، أحفر لون الحدقتين واتساع بياضهما والخطوط السوداء العميقة تحت الجفون، وانتفاخها، ثم سأبتسم في وجهك عندما تعيد النظارة ثانية، وأغض الطرف..